العبقرية هي كلمة تتردد كثيرا على ألسنة العديد من الآباء والأمهات في شكلين: الشكل الأول وهم سعداء بقول أبني عبقري (في أحد المجالات أو الأنشطة مثل: الرياضيات، والذاكرة، والسباحة وغيرها) أو الشكل الثاني وهم يشعرون بالأسي والحزن بقول أبني ليس عبقري (في بعض الأوقات قد يقولون إن ذكاءه محدود أو غبي).
للأسف يتخذ كثير من الآباء والأمهات التفوق الدراسي معيار ومؤشر لقياس ذكاء الطفل وعبقرتيه، ويبدأ تصنيف الأطفال بوصفه عبقري (مستوي رفيع واستثنائي في التفوق الدراسي) أو ذكي (متفوق دراسيا) أو غير ذكي (نتائج متوسطة في الدراسة) أو محدود الذكاء (نتائج ضعيفة في الدراسة).
لكن عزيزي القارئ ذلك غير صحيح بل انه أصبح أشبه بالخرافة التي أدت الي المفهوم الخاطئ (أسطورة الطفل العبقري) والذي انتشر في العالم وخاصة في مجتمعنا العربي مما أدي الي الاهتمام الزائد من المربي والتركيز على أهمية التحصيل الدراسي لدي طفله مما أدي الي اهمال جانب هام وهو تنمية وتطوير مواهب الطفل الحقيقة والتي قد تخضع لصدفة اكتشافها (ضربة الحظ) أو الي أن تندثر ولا يعلم عنها أحد حتى الطفل نفسه.
علي سبيل المثال فان بيل جيتس الذي أسس شركة مايكروسوفت العملاقة (أغني رجل في العالم للعديد من السنوات) لم يكمل تعليمه الجامعي كي يتفرغ لإدارة شركته على الرغم من توافر المال للتعليم وكذلك المكانة الاجتماعية فوالده كان أحد أشهر المحامين.
لقد حدث تطور كبير في مفهوم الذكاء عبر السنوات الماضية الي أن ظهرت نظرية الذكاءات المتعددة للعالم هاورد جاردنر والذي أوضح أن كل الأطفال يولدون ولديهم على الأقل نوع واحد من الذكاءات بدرجة عالية وأن الذكاء لا يقتصر على الذكاء العددي والمنطقي فقط بل يوجد حوالي 8 أنواع للذكاءات ويمكن أن تزيد.
فاذا تأملنا المشاهير أو كما يسميهم البعض (العباقرة) الذين حققوا نجاحات غير مسبوقة في مجالاتهم فسنجد أنهم برعوا في أحدي هذه الذكاءات على الرغم من أن بعضهم لم يحصل على مستوي مرتفع أو يتميز في الذكاء العددي والمنطقي وكثيرا منهم لم يتفوق دراسيا (بل ان بعضهم لم يكمل دراسته).
ولكن ما حدث أنهم حظوا باهتمام ورعاية من نوع خاص من آبائهم وأمهاتهم أو مربيهم والذين اكتشفوا نوع ذكائهم المميز مبكرا ووثقوا بقدراتهم ثم وفروا لهم بيئة مناسبة لكي ينمو ذلك النوع من الذكاء ويتحول الي موهبة فذة يتحدث عنها الجميع.
- الأديب الشهير عباس محمود العقاد والذي تميز بالذكاء اللغوي (أضاف الي المكتبة العربية أكثر من مئة كتاب في مختلف المجالات) اقتصرت دراسته على الشهادة الابتدائية نظرا لأن موارد أسرته كانت محدودة حيث لم تتوافر في ذلك الوقت المدارس الحديثة في محافظة أسوان حيث كان محل سكنه.
- أحمد زويل عالم الكيمياء الشهير والذي تميز بالذكاء الطبيعي (الحاصل على جائزة نوبل) ترعرع في دمنهور ولقي دعم والديه وتشجيعهما منذ ولعه بالاختراعات والاكتشافات في سنواته الأولي ليصبح عالم مشهور يضيف للبشرية ويضع بصمته في الحياة.
- نيلسون مانديلا والذي تميز بالذكاء الوجداني (حصل على جائزة نوبل للسلام) دخل السجن وقضي 27 عاما بداخله ولكنه خرج ليكمل مسيرته لاسترجاع حقوق أصحاب البشرة السمراء ومناديا بالعيش بسلام مع أصحاب البشرة البيضاء دون عنصرية ليصبح رئيسا لجنوب افريقيا.
- مصطفي محمود والذي تميز بالذكاء الشخصي (صاحب البرنامج الشهير العلم والأيمان) استغرق في كلية الطب سنوات أكثر من زملائه بسبب المرض الذي أصابه ليكتشف موهبته الحقيقية ويصبح طبيب وفيلسوف مشهور يضيف عشرات الكتب للمكتبة العربية.
- توماس أديسون تميز بالذكاء العددي والمنطقي (المخترع الشهير والذي أخترع المصباح الكهربائي، جهاز الفونوغراف وآلة التصوير السينمائي وغيرها من الاختراعات التي كان لها أثر كبير على البشرية) تعلم علي يد والدته في المنزل بعد أن طردته المدرسة بزعم أن ذكاءه محدود.
وبالتالي فيجب أن نغير وجهة نظرنا عن مفهوم العبقرية ويفضل أن نقوم باستبدالها بكلمة الموهبة، لأن كلمة عبقري قد تؤثر سلبا على سيكولوجية الطفل وتجعله يشعر بأنه مختلف على أقرانه مما قد يولد لديه حالة من الاستعلاء على الاخرين.
الرئيس التنفيذي لمؤسسة نبتة
ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هيريوت وات ببريطانيا
إضافة تعليق