عادة ما يصف الآباء أطفالهم من ذوي الاحتياجات الخاصة “بالأبطال”، فمن المنطقي حينما نرى أطفال يمرون بتحديات وتجارب أصعب وأكثر بكثير من تلك التي يمر بها معظم من في مثل عمرهم كالعمليات الجراحية المتكررة، والأدوية اليومية، وعدد الزيارات إلى مختلف الأطباء والمتخصصين، بالإضافة إلى الألم والشعور بعدم الراحة المعتاد، ثم نرى هؤلاء الأطفال لا يزالون يتعايشون وينمون على الرغم من كل ذلك، ليس أمامنا إلا أن نفتن بقوتهم ومرونتهم وقدرتهم على التحمل بل ونرغب في أن يعرف العالم كله بما يستطيعون فعله، خاصة في عالم معظمه حتى الآن يهمش ويقلل من قيمة الأطفال ذوي الإعاقات الجسدية والعقلية والحسية… حتمًا سنرغب في التأكيد على قيمة أطفالنا وقدراتهم.
ولكن هل عندما يلقب طفلي ذوو الاحتياج الخاص “بالبطل” سوف يعوضه عما مر به من تحديات؟ هل هكذا يعلى شأنه؟ هل هكذا سينتمي ضمن المجموعة؟ … أم هذا هو مجرد وجه آخر للتقليل من إنسانيته وكونه من بني البشر له احتياجات، وقدرات، وصفات، تميزه عن غيره من بني جنسه؟
ببساطة أطفالنا ذوي الاحتياجات الخاصة أولاً وقبل كل شيء هم أُناس مثلهم مثلنا تكمن قيمتهم الحقيقية في واقع شخصيتهم وطبيعتها، وليس وفقًا لعدد التحديات أو العقبات التي استطاعوا التغلب عليها. عندما نُصر طوال الوقت على أن يكونوا “أبطال” فإننا ما زلنا نحاول جعلهم شيئًا آخر غير البشر، ونضع لهم معيارًا اجتماعيًا، في بعض الأحيان، قد يكون من الصعب عليهم الوصول إليه، فالطفل نفسه قد لا يشعر دائمًا بأنه “البطل” كما نريده نحن، قد يرغب فقط في أن يكون طفلًا، يشعر بالإحباط كما يشعر بالإنجاز، ويشعر بالقوة كما يشعر بالضعف، ويطلب باكيًا نوع معين من الطعام لأنه سئم ذلك الطعام الذي وصفه الطبيب، وكل المشاعر الأخرى التي نمر بها نحن البشر من وقت لآخر، والتي لا تعتبر “بطولية” في ضوء ذلك المعيار الاجتماعي.
فقط علينا أن نعي أن الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة هم أشخاص وأرواح تعيش في الهيئات التي قدرها الله لهم، وبالتقبل، والدعم، والحب سوف يواجهون أي تحديات تأتي في طريقهم- تمامًا مثلنا- فالطفل الذي يعاني من التوحد والآخر الذي يعاني من صعوبات التعلم وذلك صاحب ضعف البصر ليسوا أكثر بطولية من باقي الأطفال لوجودهم في تلك الأجساد أو الصور، فهم لم يعرفوا جسد أو صورة أخرى، هكذا هم، ووصف هؤلاء الأطفال بالأبطال طوال الوقت أو الضغط عليهم حتى يستحقون هذا اللقب ليس سوى جانب آخر من عملة الشفقة أو الشعور بالأسف حيالهم، ولا نريد لأطفالنا ذوى الاحتياجات الخاصة هذه النظرة. ولكن نريدهم أن يتمتعوا بحرية الإنسانية الجميلة في أن يكونوا أُناسًا مختلفين أحيانًا وعاديين أحيانًا أخرى، قد يرتكبون الكثير من الأخطاء أو القليل منها دون أي ضغوط كي يكونوا أي شكل آخر غير أنفسهم… أطفالنا ذوي الاحتياجات الخاصة ليسوا أبطالًا بل هم شيء أكثر جمالًا وتميزًا، هم أطفال صغار مليئين بإمكانيات لا نستطيع وصفها أو قولبتها… مثلهم مثل أي طفل آخر فقط يحتاجون لأن نتقبلهم كما هم، ونعطيهم فرصة لأن يحددوا بأنفسهم اللقب الخاص بهم.
سارة حليم
باحثة في مجال التربية الخاصة
مؤسسة تربوية تسعي الي تقديم الدعم والمساندة الي الآباء، والأمهات، والمربيين، والمؤسسات التربوية والتعليمية من أجل تربية الأبناء بشكل متزن وبصحة نفسية سليمة تضمن اكتشاف وتنمية مواهبهم وتوفير الرعاية والحب بناء علي أسس علمية وعملية من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة ولمجتمعاتنا العربية
إضافة تعليق